أمين صندوق
قصة قصيرة
يجلس خلف مكتبه، ويلتفت إلى اليسار، ويتساءل في نفسه عن كيفية حمل هذه الخزنة إلى الدور السابع، رغم وزنها الثقيل، وحجمها الضخم ..!؟؛ فتعييه الإجابة.
يقلب في نغمات هاتفه النقّال؛ يفكر في اختيار رنةً جديدة لزوجته ..
( حبيبي ولا على باله .. ) يتمتم " لا .. لا .. لا .."
( جباااار .. جباااار .. ) يتمتم " نعم .. هذه هي "
يخلع خاتمه من حول بنصره الأيسر، يدحرجه على المكتب، ويخاطبه في دعابةٍ ( أتراك الخاتم رقم ثلاثة أم أربعة ..؟! )، فيقفز وجه زوجته أمامه في غضبٍ
( لن أسامحك إن أضعته هذه المرة )؛ يبتسم.
يقطع ابتسامته دخول مديره ( عبد المنتقم ) إلى مكتبه؛ يرتبك؛ يسقط الخاتم على الأرض؛ يتدحرج؛ يستقر تحت حامل الخزنة الحديدي..!.
يقف في احترامٍ لمديره، وينصت في اهتمامٍ لكلماته، ويومىء في طاعةٍ لأوامره.
تتسارع وتيرة العمل، والموظفون يصطفون أمامه، يثرثرون، يقهقهون في سعادةٍ؛ لا يراها سوى في اليوم الأول من كل شهر.
يحاول أن يصرف الفكرَ عن ذلك المستقر تحت الخزنة؛ مخافة أن يدفع عجز عهدته من جيبه الخاص.
يلاحظ الموظفون ارتباكه، وانعدام مزاحه على غير عادته، بيد أن فرحتهم بالزيادة التي كانوا ينتظرونها؛ شغلتهم عن سؤاله.
يغادر آخر الموظفين، فيسرع في إقفال باب مكتبه، وباب خزنته، وينبطح على الأرض في صعوبةٍ؛ يلعن كرشه، ويتمتم " ليتني كنت أنحف ..! ".
يتلفت يمنةً ويسرة، ويجول بنظره أرجاء المكتب؛ يبحث عن أداةٍ نحيفة، طويلة؛ تسعفه في التقاط خاتمه، وفي النجاة من غضب زوجته؛ الذي كلفه هديةً ثمينة؛ لغفرانها في المرة الأخيرة. فيرتد إليه بصره خاسئاً.
يطرق الساعي ( العم صالح ) باب مكتبه، ويستأذنه في الانصراف، فيأذن له من خلف الباب، ويطلب منه إطفاء أنوار الشركة.
تقترب الساعة من الثامنة مساءً، فيرن هاتفه النقّال؛ يغص بريقه حين يرى رقم زوجته؛ لا يجيب؛ يكتب على عجلٍ رسالةً نصية " هناك جرد مفاجىء؛ أحادثكِ لاحقاً "
يسمع صوت باب الشركة يُقفلْ؛ يفتح باب مكتبه بهدوء، ويعجل في مشيته نحو المطبخ، يُفتش في انهماكٍ داخل خزاناته، فلا يجد إلاّ أكواباً، ومواعيناً، وبضع ملاعق، وخزينا.
يحرث رأسه فكراً؛ تلمع عيناه؛ يسرع إلى مكتب المدير؛ يُشعل النور؛ يحصد مسطرةً طويلة، كان يستخدمها في شرح خطة العمل لرؤساء الأقسام؛ يبتسم في ظفرٍ، ويقفز بها إلى مكتبه، ثم ينبطح تارةً أخرى، ويعمد إلى مسطرته، فيمدها في حرصٍ أسفل حامل الخزنة، فيُخطىء هدفه، ثم يعيد الكرة المرة تلو الأخرى، وخاتمه يتمنع عنه.
يكيل الشتائم عليه، وعلى زوجته التي أعادت اتصالها للمرة الثانية، ثم أتبعتها برسالةٍ نصية " بابا و ماما في الطريق إلينا؛ لا تنس العصير ..! "
يلقي بجسده الثقيل على الكرسي، والعرق يتصبب من جبهته؛ يمسحه بباطن كفه في غضبٍ، وحدقتا عينيه تزداد حيرةً واتساعا.
عقارب الساعةِ تقترب من التاسعة، وما يزال قابعاً في حيرته، يقطعها صوت مفتاحٍ يدور في فلك باب الشركة؛ يوجس خيفةً؛ تصطدم رجله بطرف المكتب؛ يكتم ألمه؛ يقفل باب مكتبه؛ يضع أذنه على الباب؛ يسترق السمع.
يحاول أن يهتدي إلى صوت أحدهما، كأنه صوت العم " صالح " يحادث أحدهم..!
يطفىء النوربسرعةٍ، ويختبىء خلف مكتبه كفأرٍ وقع في مصيدةٍ، بغير ذي ذنب.
يفكر في صمتٍ عن سببٍ مقنع لبقائه حتى الساعة، ويستعيد بذاكرته سيرة أمين الصندق السابق، وكيف انتهى به الأمر إلى السجن بعد اختلاسه مبلغاً يكفي لشراء بيتٍ وسيارةٍ فارهة.
يسمع طرقاً على البابِ؛ يكتم أنفاسه، وكلمات العم " صالح " أصبحت أكثر وضوحاً في مسمعه ..
( انظر سيد " عبد المنتقم " .. مكتبك مضاءةٌ أنواره، وأقسم لك بأنه كان مرتبكاً، و .. )
( اصمت .. ! أتيت بي إلى هنا من أجل تكهناتك السخيفة، و .. )
يقطع حوارهما رنة هاتفه ( جباااار ... جبااار ... )
حين كان يهمُّ بدخول سيارة الشرطة، سمعه المتجمهرون يصيح ( من أجل الخاتم، والله من أجل الخاتم ..! )